السبت, 2024/05/18, 9:29 AM
الرئيسية | التسجيل | دخول أهلاً بك ضيف | RSS
[ رسائل جديدة · المشاركين · قواعد المنتدى · بحث · RSS ]
  • صفحة 1 من%
  • 1
المنتديات » فروع المنتدى » ترفيهي اجتماعي » الإنسان حيوان حائر (Waheeb Habash)
الإنسان حيوان حائر
Journal_Healthالتاريخ: الإثنين, 2014/12/08, 5:36 PM | رسالة # 1
عضو بلاتيني
مجموعة: المدراء
رسائل: 794
جوائز: 0
سمعة: 0
حالة: Offline

الإنسان حيوان حائر
يقول أحد فلاسفة الإغريق: «الإنسان حيوان سياسي»، ويضيف آخر: «هو حيوان ناطق»، ثمّ تتالت التوصيفات والتصنيفات عبر التاريخ، كعاقل ومفكّر ومتمرّد وضاحك وكاتب وعاشق وكاذب… الخ، لكنّ الحيوان ظلّ حيواناَ لا يبالي بما يضيفون إليه من ألقاب مؤنسنة.. وحده الإنسان بقي منشغلا بذاك الذي يحمله بين كتفيه وحار فيه بين شتّى الفكر.. هل هو مصدر نعمة أم نقمة…!
في السياسة نظّم الحيوان حياته بحكم الغريزة والإلهام وما يعرف بالانتخاب الطبيعي، فمنه من اختار «حزب» النباتيين، ومنه من انضمّ إلى اللاّحمين، ومنه من جمع بين الاثنين. منه من وقع في شراك التدجين، ومنه من رفض الأقفاص والحظائر، منه من غيّر في حجمه وسلوكه، ومنه من انقرض.
الحيوان لا يذهب إلى صناديق الاقتراع، ولا يملك جيوباً كي لا تتلوّث أقدامه بالمال السياسي، لكنّه مارس ديمقراطيته وقبلَ بالنتائج دون طعونات.
أمّا عن حاسّة النطق والتفكير التي يتباهى بها الإنسان، فلقد حبّذ الحيوان حكمة الصمت، وقرّر أن لا يصدر صوتاً إلاّ في الاحتياجات الضرورية وساعات الغضب والألم والاحتفال بالصباحات الواعدة، أو الليالي المقمرة.. أمّا الببّغاوات فهي كائنات ساخرة من الإنسان الذي يغدق عليها ويدلّلها في سبيل تقليده.
هذا الكائن غير الناطق لا يضحك ولا يبكي، فهو لا يجد في هذه الحياة من دواعٍ لذلك، لكنّه يحبّ الممازحة والملاعبة، أمّا عن قصّة التماسيح الدامعة والأبقار الضاحكة، فمجرّد وهم واستعارات بشرية على غرار «كليلة ودمنة».
هو لا يعرف الخجل أو الندم، لأنّه لا يرتكب الأخطاء، يمضي في ممارسة ما يشتهي دون خوف أو توجّس من النميمة والتقوّلات، ليس حقوداً لكنّه يتمسّك بحقّه في الردّ دون اللجوء إلى القضاء، وما قصّة الجمل الذي ينتقم ممن تلصّص عليه في لحظاته الحميمة إلاّ ردّاً طبيعيّاً على المتطفّلين والمهووسين بمشاهدة الأفلام الإباحيّة.
الحيوان لا يزور معارض الكتاب إلاّ برفقة مالكه، لا يحتاج إلى الكتابة في الجرائد، ربما لأنّه ليس في حاجة إلى الكذب والتملّق، وربّما يريد إيصال صوته على طريقته الخاصة، ومن دون أن «يفشّ خلقه» في الكتابة.
لا يضع النظارات الطبيّة، ولا العدسات اللاصقة، إنه لا يحب قراءة الشائعات والشعارات وملصقات الدعاية، لا يعنيه حلّ الكلمات المتقاطعة ولا نشرة الأحوال الجويّة.. إنّه يمضي إلى هدفه دون مراوغة.
لا يبالي الحيوان بما يخلعه عليه الإنسان من رموز وشعارات وإحالات، فلا النسر يتقصّد الشموخ، ولا الكلب يتباهى بالوفاء، ولا الحمار يمجّد الصبر والتحمّل، ولا الديك يعلن الصباح، ولا البومة تنذر بالشؤم، ولا الحيّة تناصب العداء…. حتى إنّه لا يسمع بابن المقفّع وكتابه المشؤوم.
إذا قلبنا هذا «الكوجيتو الفلسفي» الذي أشرنا إليه في هذه السطور فإنّنا نجد أنّ الحيوان إنسان واضح غير متفذلك، ولا متسلّط، ولا كاذب، ولا مدّعٍ، ولا كاره… لا فاسد ولا مفسد في الأرض. ربّما أجمل ما في الإنسان أنّه كائن مقلّد للحيوان في الركض والسباحة والطيران والذود عن أسرته والحفاظ على جنسه.
لكنّ أعذب الكائنات التي وضع فيها الخالق سرّه هي النباتات تعطي في سخاء صامت، تنظّف وتنقّي كلّ ما أفسده الإنسان والحيوان، تتغذّى بما تجود به السماء دون أن تضطرّ إلى القنص أو سفك الدماء… أمّا الأجمل من ذلك كلّه فإنّها تموت واقفة مثل ألف النداء والابتهال.
 
المنتديات » فروع المنتدى » ترفيهي اجتماعي » الإنسان حيوان حائر (Waheeb Habash)
  • صفحة 1 من%
  • 1
بحث:

Copyright Waheeb™ Journal Health; 2024